QNB
QNB

هل يتجه الاقتصاد الصيني إلى تباطؤ حاد؟

نشر يوم : Fri, 27 Aug 2021

ظل اقتصاد الصين يتفوق في الأداء على كافة الاقتصادات الكبرى لعدة عقود، وأصبح أحد أهم محركات النمو العالمي. وقد استمر تفوق أداء الاقتصاد الصيني خلال العام الماضي، عندما دمرت جائحة كوفيد-19 النشاط الاقتصادي عبر مختلف القارات. في الواقع، كانت الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي حقق نمواً إيجابياً في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، حيث نما اقتصادها بنسبة 2.3%، مقابل تراجع بنسبة 3.5% و6.5% في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو على التوالي. 
وعلى الرغم من أن الصدمة الناتجة عن الجائحة كانت محدودة في الصين وامتدت لفترة قصيرة، وكانت متبوعة بتعافٍ سريع، هناك مؤشرات قوية على أن اقتصاد الصين بدأ بالفعل يتراجع بشكل كبير. فبعد تسارع في الأداء بلغ 18.3% على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي، تباطأ نمو الاقتصاد الصيني إلى 7.9% في الربع الثاني (الرسم البياني 1). وتجدر الإشارة إلى أن هذا التراجع كان واسعاً، وشمل العديد من المكونات الأساسية للاقتصاد، مثل الإنتاج الصناعي والاستثمار ومبيعات التجزئة (الرسم البياني 2).  
QNB

 

وقد شملت العوامل الأخيرة المعيقة للاقتصاد الصيني سلالة دلتا الجديدة المتحورة من كوفيد-19 والفيضانات التي ضربت مختلف أرجاء البلاد، والتي عطلت أنشطة الأعمال. ويعتبر السحب التدريجي للمحفزات الاقتصادية من قبل السلطات الصينية من العوامل الرئيسية الأخرى التي تسببت في تباطؤ الاقتصاد. في الجانب المالي، تم تشديد السياسة المالية مع تقليل الامتيازات الاستثنائية والتحويلات الاجتماعية وتخفيض الإنفاق والدعم للاستثمارات الحكومية. أما في الجانب النقدي، يشير تباطؤ نمو الإمدادات النقدية أيضاً إلى تراجع دعم السياسة النقدية.

 

QNB

على الرغم من كافة العوامل السلبية، لا نتوقع حدوث تراجع حاد في الاقتصاد الصيني بشكل يتجاوز الحد المستهدف لنمو الناتج المحلي الإجمالي والذي يبلغ "حوالي 6%". وهناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم وجهة نظرنا هذه.
أولاً، من المتوقع أن يتعافى الاستهلاك الخاص بشكل أكثر قوة خلال الأرباع القادمة، مما سيدعم التوازن الجيد للاقتصاد. وفي حين يُتوقع أن يظل الاستهلاك الخاص معرضاً للضغط في الربع الثالث من عام 2021، على خلفية موجة من حالات الإصابة الجديدة بالسلالة دلتا المتحورة من كوفيد-19، من المتوقع حدوث انتعاش في نهاية العام وبداية عام 2022 مع تلاشي تأثير الجائحة. علاوة على ذلك، تدعم السلطات الصينية إعادة التوازن في الاقتصاد نحو الاستهلاك ومشاركة القطاع الخاص. وبالتالي، من المرجح أن تتحول محركات النمو من استثمارات البنية التحتية التي ترعاها الحكومة إلى الاستهلاك المحلي الخاص. بالإضافة إلى ذلك، هناك مدخرات فائضة تراكمت أثناء الجائحة. وسيؤدي فتح المجال لإنفاق هذه المدخرات أيضاً إلى دعم نمو الاستهلاك الخاص. لذلك، على الرغم من عدم وجود أي نمو تقريباً في الاستهلاك الخاص في عام 2020 وتسجيل نمو ضئيل في عام 2021، نتوقع أن يكتسب الاستهلاك الخاص زخماً ويسجل انتعاشاً خلال الأرباع القليلة القادمة.
ثانياً، مع حدوث تحول في محركات النمو في الصين، من المتوقع أن تعوض استثمارات الشركات الخاصة جزئياً عن الانخفاض في الاستثمارات العامة. ونظراً لأن البنية التحتية في الصين متطورة بالفعل وتميل الاستثمارات العامة الإضافية في هذا القطاع إلى أن تكون أقل كفاءة، وغالباً ما تساهم في خلق مستويات غير مستدامة من المديونية والطاقة الفائضة، فإن الاستثمارات العامة ليست مصدراً مستداماً للنمو طويل الأجل. لذلك، من المتوقع أن تتراجع هذه الاستثمارات في المستقبل وأن تحل محلها استثمارات خاصة، لا سيما في "القطاعات الأساسية" للتصنيع الاستراتيجي، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وأشباه الموصلات والتكنولوجيا الطبية واستكشاف الفضاء، والذي يشمل تطوير الأقمار الصناعية والأبحاث الأساسية. ولن يساهم ذلك في احتواء سيناريو التباطؤ الحاد فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى زيادة الإنتاجية الاقتصادية على المدى الطويل.
ثالثاً، من المتوقع أن تظل صادرات الصين قوية، مدعومة ببيئة خارجية مواتية. وبعد سنوات من إجمالي صادرات تراوح بين 160-220 مليار دولار أمريكي شهرياً، بلغت صادرات الصين أعلى مستوياتها على الإطلاق بأكثر من 280 مليار دولار أمريكي في يونيو 2021. وفي حين يُنتظر أن يتراجع نمو الصادرات خلال الأرباع القادمة، حيث من المرجح أن يكون التعافي العالمي قد بلغ ذروته، سيظل المستوى الإجمالي للصادرات الاسمية مرتفعاً، مع عودة الطلب الخارجي إلى طبيعته تدريجياً.
باختصار، فإن نمو الاقتصاد الصيني يشهد تباطؤاً. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الصيني قد تجاوز ذروته مع تلاشي التحفيز المالي والنقدي. وبالتالي فإننا نعتبر مسار النمو الحالي هذا بمثابة تطبيع، وهو لا يزال عند مستويات عالية. لذلك، لا نتوقع أن نرى النشاط الاقتصادي ينخفض إلى أقل من الحد المستهدف للنمو الذي يبلغ حوالي 6%. ومن المرجح أن يساهم كل من الاستهلاك الخاص والاستثمارات الصناعية والصادرات في تباطؤ الاقتصاد الصيني بشكل تدريجي إلى وتيرة نمو طبيعية. وبالتالي، نتوقع أن ينمو اقتصاد الصين بنسبة 8.1% في 2021 وبنسبة تتراوح بين 5.5% و6% في عامي 2022 و2023.


يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي و English