QNB
QNB

الاحتياطي الفيدرالي يوقف تطبيع السياسة النقدية لكن خفض أسعار الفائدة غير مرجح

نشر يوم : Sun, 31 Mar 2019

يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي   و English

أكد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يشار إليه اختصاراً بـ "الاحتياطي الفيدرالي"، مجدداً موقفه المتساهل، حيث قدم مفاجأة أخرى للأسواق في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الذي عقد في 19 و20 مارس. فبعد تسع جولات من رفع أسعار الفائدة منذ ديسمبر 2015، تمخض عن الاجتماعين الآخرين للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أحد أكثر التغييرات المفاجئة في السياسة النقدية في السنوات الأخيرة. ففي غضون بضعة أشهر، سيكون بنك الاحتياطي الفيدرالي قد انتقل من إجراء زيادات مطردة لأسعار الفائدة وتخفيض مستمر للأصول في ميزانيته العمومية إلى نهج متأني يعتمد على الانتظار والترقب. ووفقًا للتوجه الجديد، سيعتمد تغيير أسعار الفائدة على البيانات، ويُنتظر أن يتم إكمال برنامج التخفيض التدريجي للأصول، الذي يشار إليه أيضاً بالتشديد الكمي، بسرعة قبل إنهائه بالكامل.

وأصبحت توقعات مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن رفع أسعار الفائدة تشير إلى أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لن تقوم بزيادة أسعار الفائدة في عام 2019 وستنفذ جولة واحدة فقط لزيادة أسعار الفائدة بشكل طفيف في العامين المقبلين. وتجدر الإشارة إلى أن توقعات عدم زيادة سعر الفائدة في العام الحالي تحددت بأغلبية 11 مقابل 6، مما يشير إلى أن هذا الموقف المتساهل يحظى بدعم قوي داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. وبالإضافة إلى ذلك، قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي إيقاف برنامج التشديد الكمي بحلول سبتمبر 2019، وهو ما يدعم بشكل فعال وفرة الاحتياطيات ويحد بالتالي من أي تأثيرات سلبية مستقبلية على السيولة. وجاء هذا القرار وسط تزايد التوقعات بتراجع النمو العالمي، وانخفاض الضغوط التضخمية وتوقعات التضخم، وتصاعد المخاوف بشأن الاستقرار المالي.

 

وتفاعلت الأسواق بقوة مع الموقف المتساهل لبنك الاحتياطي الفيدرالي. فقد تراجع احتمال رفع أسعار الفائدة في الاجتماعات المتبقية للجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في عام 2019 من أكثر من 90.0% في أكتوبر 2018 إلى حوالي 6.0% بعد اجتماع يناير 2019 وإلى 0.0% في وقت كتابة هذا التقرير. ولعل المؤشر الأكثر دلالة في هذا الخصوص هو أن أسواق السندات بدأت تتوقع تخفيض أسعار الفائدة، حيث ارتفع احتمال خفض أسعار الفائدة خلال الربع الرابع من عام 2019 من صفر في أواخر العام الماضي إلى أكثر من 50% بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الذي عُقد في مارس 2019.

وفي الواقع، هناك تباين كبير في الوقت الحالي بين تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي وإجماع الخبراء وتوقعات أسواق السندات بشأن الوجهة المستقبلية لسعر الفائدة الرئيسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي. ففي حين يشير بنك الاحتياطي وخبراء بارزون إلى إجراء زيادة معتدلة لسعر الفائدة إما في نهاية العام الحالي أو خلال العام القادم، تتوقع أسواق العقود الآجلة تخفيض الفائدة في موعد وشيك لا يتخطى العام الحالي. ومع اقتراب سعر الفائدة الرئيسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي من المعدل المحايد الذي يفصل بين السياسة النقدية الميسرة والسياسة النقدية المشددة، يتزايد عدم اليقين بشأن موعد تعديل السياسة النقدية ووجهتها المستقبلية.

 

في نظرنا، فإن سعر الفائدة الرئيسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيظل دون تغيير في 2019 وفي المستقبل القريب. وهناك سببان رئيسيان يجعلان تخفيض أسعار الفائدة أقل إلحاحاً، بصرف النظر عن توقعات أسواق السندات.

 

 

chart

أولاً، يتأثر حاليًا مشهد النمو الكلي في الولايات المتحدة ببعض العوامل الخاصة والمؤقتة إلى حد ما، وهي مرتبطة بالربع الأول من عام 2019، ومن بينها التأثيرات الموسمية المتبقية وتكدس المخزون وتراجع عائدات الشركات والإغلاق الحكومي الطويل بشكل غير معتاد. ومن المتوقع أن ينتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة في الربع الثاني إلى 2.6% على أساس ربع سنوي من 1.5% في الربع الأول. وعلى الرغم من تلاشي تأثير التحفيزات المالية وتزايد القلق بشأن تباطؤ النمو في أوروبا والصين، فإن الأداء الاقتصادي في الولايات المتحدة لا يزال قوياً. ومن المتوقع أن يستقر النمو تدريجياً بعد الربع الثاني عند مستوى أعلى قليلاً من المعدل الممكن (حوالي 1.9%). ويقترب معدل البطالة من أدنى مستوى له منذ عقود، في حين يستمر نمو متوسط الأجور بالساعة في الارتفاع إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية.

 

ثانياً، أصبحت الأوضاع المالية العامة ميسرة بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، ويُتوقع أن يكون لذلك تأثيرات إيجابية متأخرة على الناتج المحلي الإجمالي خلال الأرباع القادمة. ووفقاً لمؤشر بلومبيرغ للوضع المالي في الولايات المتحدة، والذي يتتبع مستوى الضغط الكلي في أسواق المال والسندات والأسهم للمساعدة في تقييم مدى توفر وتكلفة الائتمان، فإن الأوضاع المالية قد انتقلت من المنطقة المشددة للغاية إلى المنطقة المشددة في الربع الأخير من عام 2018، ثم إلى المنطقة الميسرة في الربع الحالي. وبعبارة أخرى، فإن الأسواق المالية تواصل القيام بجزء من المهمة بدلاً عن بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما يقلل من ضغوط تخفيض سعر الفائدة مستقبلاً.

وبشكل عام، يتحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً بسرعة نحو توقف كامل في مسار تطبيع السياسة النقدية. ولا يُتوقع إجراء جولات إضافية من رفع أسعار الفائدة في العام الحالي ويُنتظر أن تنتهي عملية التشديد الكمي في موعد قريب. ومن سبتمبر 2018 إلى مارس 2019، غير بنك الاحتياطي الفيدرالي توقعاته بشأن جولات زيادة أسعار الفائدة خلال الفترة 2019-2021 من أربع جولات، أو زيادة بواقع 100 نقطة أساس، إلى جولة واحدة، أو زيادة بواقع 25 نقطة أساس. وبالرغم من العوامل السلبية المحلية والخارجية، تعتبر توقعات سوق السندات بشأن تخفيض أسعار الفائدة في العام الحالي سابقة لأوانها.